مرحبا بكم في موقع مكتبة الكويت ( المكتبة هي معبد المعرفة ومنارة الفكر بين رفوعها تتقاطع الافكار وتتلاقي العصور ) الحجز والاقتراحات واتساب 50300046 الشحن الي جميع المناطق ...
رؤية اينشتين متوفر
التصنيف : دراسات وبحوث - سياسة
دار النشر : دار الآداب بيروت
عفيف فراج
لم يتعرض العرب إلى آينشتين صاحب الرؤية الحضارية والتربوية والاشتراكية المكافح من أجل السلام العالمي، العادي للتسلح والعسكرة والداعي إلى إبطال العمل بقانون التجنيد الإلزامي، تلك الآفة التي بدأتها الثورة الفرنسية، ولم يطالع العرب في مرايا آينشتين صورة اليهودي وهويته الثقافية. ولم يضيء الباحثون العرب على علاقة آينشتين الإنسان والمفكر الموحد بآينشتين العالم، ولم يدرسوا المختلف والمؤتلف بين الصهيونية الروحية والصهيونية السياسية. ولم يتعرف العربي على رؤية اكبر علماء القرن العشرين للمسألة اليهودية وموقفه من الصراع العربي-الصهيوني وعلى إسهامه في رفد الحركة الصهيونية والمبررات التي علّل بها وجوب قيام دولة اليهود.
لقد بقي آينشتين مختزلاً في الوعي العربي العام إلى نظرية النسبية، وبقيت النظرية مختزلة إلى عناوين، وعاش الرجل الذي قلب صورة العالم في وعي قرائه ومات، وانقضى 47 عاماً على رحيله دون أن يجد له مكاناً في برامج ومقررات الدراسات الثقافية والعلوم الإنسانية التي تدرس في مؤسساتنا التربوية والتعليمية بشتى مستوياتها.
من هذا المنطلق كان لا بد من هذه الدراسة التي تتعامل مع آينشتين المفكر، بوصفه ظاهرة لا فرداً وتضيء الجذر اليهودي الثقافي الأعمق في تكوينه، وتوقفه شاهداً مؤهلاً، بأي مقياس، لأن يشهد على تجربة حيّة وخصوصية عاشها اليهود في أوروبا، وفي ألمانيا خصوصاً، بين بدايات الحرب العالمية الأولى وغداة انتهاء الثانية. وبصفته هذه يمثل آينشتين نموذجاً لليهود الذي يسابق الزمن لامتلاك العلوم والأفكار والتقانات الفنية والعلمية الأكثر حداثة في الوقت الذي يبقى مملوكاً ومرتهناً لديانة عتيمة يتداخل فيها الدين القديم بالقومية الحديثة، فإذا ما فصلت عقلانية العصر وعلمانيته بين الاثنين أسس المثقف الصهيوني العصري هويته القومية ومشروع دولة اليهود في الإثنية العرقية و/أو التقليد الثقافي، وصالح بين يهوديته وقوميته على قاعدة "ديننا غير قومي لكن قوميتنا دينية".
في هذا الضوء نقرأ تعريف آينشتين لنفسه بعبارة "أنا لست يهودياً بالمعنى الديني، لكن هويتي الثقافية هي اليهودية". وآينشتين يبرئ نفسه من النص التوراتي الأضيق من أن يتسع لعقلانيته، وهو عاشق الفلسفة والمسترشد بمنائر سبينوزا وكانط، أو لعلمه، وهو الذي أحدث ثورة في العلم، ولكن آينشتين المفكر والعالم يؤكد في المقابل انتماءه إلى تقليدٍ ثقافي تربوي يهودي حامل لقيم ومثالات إنسانوية روحية تشدّد على تميز الجماعة اليهودية برسولية روحية وحضارية تفردها عن سواها. وهذه القناعة أوجدت مساحة تلاقٍ وتقاطع بين آينشتين والحركة الصهيونية التي سعت به، أو سعى معها، إلى تحصين الأقليات اليهودية ضد الميل إلى الاندماج والتجانس مع الأكثريات الأوروبية، والعمل من ثمّ على قامة الوطن اليهودي الفريد الذي تتمرأى فيه الذات اليهودية الثقافية الفريدة.