مقالات الإسلاميين في التوراة من الجدل إلى البحث العلمي

مقالات الإسلاميين في التوراة من الجدل إلى البحث العلمي متوفر

التصنيف : الأديان والفرق

دار النشر : مكتبة البحر الاحمر

احمد محمود هويدى

“مع تطور دراسات التوراة في الغرب، وظهور إرهاصات للاهتمام بهذه الدراسات في الجامعات المصرية؛ خاصة جامعة القاهرة تجلى الدور المهم والرائد لفؤاد حسنين ومحمد خليفة حسن في تطوير وترسيخ هذا المجال في الساحة المصرية والعربية والإسلامية.

تم الإشارة إلى أن بحث التوراة في مصر خرج من رحم قســم اللغة العربية واللغات السامية، ثم معهد اللغات الشرقية وتطور بحث العهد القديم بعد ذلك تطورا كبيرا بعد تأسيس قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة القاهرة. ظهرت في جامعة القاهرة محاولتان جديدتان في بحث العهد القديم المحاولتان لأستاذين موسوعيين كتبا في مجالات بحثية متنوعة هما فؤاد حسنين ومحمد خليفة.

إذا كانت محاولة رحمت الله الهندي التي عرضنا لها في الباب الثاني تمثل مرحلة التبشير بتعريف القارئ العربي ببحث العهد القديم في الغرب، فإن محاولتي فؤاد حسنين ومحمد خليفة (1943) تمثلان التأسيس العلمي المنهجي لعلم العهد القديم في الأدبيات العربية الحديثة والمعاصرة، بالإضافة إلى عمل مراد كامل، من خلال رصد مؤلفات فؤاد حسنين يمكن القول إنه قدم إسهامات علمية في مجالين أساسين هما مجال اللغة العربية وآدابها والدراسات السامية، ثم الدراسات التوراتية واليهودية والإسرائيلية. وما يهمنا هنا الإشارة إلى إسهاماته في مجال بحث التوراة والدراسات اليهودية والإسرائيلية.

كانت اللغة العبرية القديمة منذ إنشاء معهد اللغات الشرقية وإنشاء القسم تدرس تدريسًا تقليديا من حيث ترجمة النصوص بناء على ترجمات مسيحية، وتحليل المفردات تحليلا لغويا في ضوء مقارنتها باللغات السامية وخاصة العربية، دون شرح أو تسليط الضوء على السياق التاريخي والديني والأدبي. استمر هذا الأسلوب فيما يتعلق باللغة العبرية القديمة حتى أوائل التسعينيات، حيث بدأ تطوير دراسة اللغة العبرية القديمة وذلك من خلال مقارنة ترجمة سعديا الفيومي بترجمة مسيحية أو أكثر لتوضيح الاختلافات بيــن الفهم اليهودي والفهم المسيحي وأن خلفية المترجم تأثر بخلفيته الدينية.

ثم تطور التدريس من خلال محاولة رد نصوص التوراة لمصادرها الأربعة وبيان خصائصها تطورت مناهج الدراسات العبرية القديمة فتم استحداث مواد علمية جديدة منها “مدخل إلى العهد القديم”، و”اتجاهات دراسة العهد القديم” و”الديانة اليهودية العقائد والتشريعات” ثم “الفرق اليهودية الحديثة والمعاصرة” و”الاستشراق ومدراسه”.

هكذا حدث تطور في الدراسات العبرية القديمة لتحتل المواد الفكرية مكانة مهمة ورئيسة في المقررات الدراسية، فبدلا من تدريس اللغة العبرية القديمة خلال سنوات ثلاث أو أربـع تــم استحداث المقررات السابقة. بالتالي تم تقليص مواد اللغة العبريــة والإبقاء على مقرر واحــد فـي الفرقة الثانية ليكــون خـادمـا للمقررات الجديدة التي تم استحداثها في تسعينيات القرن الماضي.

غير أن القائمين على القسم أسندوا تدريس المقرر لغير المتخصصين في دراسات العهد القديم فتم العودة إلى الأسلوب القديم أي أسلوب التحليل اللغوي دون أي إشارة لنظرية المصادر أو السياق التاريخي أو الديني أو الأدبي للنص، والاعتماد على ترجمات مسيحية لا تفي بالغرض العلمي وعدم الاعتماد على ترجمات يهودية أو حتى مجرد الاجتهاد لترجمات جديدة.

هكذا أهدر مقرر كان هدفه خدمة بقية دراسات العهد القديم التاريخية والدينية والأدبية، نتيجة عدم فهم طبيعة المادة والتخصص من قبل القائمين على القسم. كذلك يصر القائمون على القسم على تقليص تعيين المعيدين في تخصص دراسات العهد القديم. فرغم الموافقة على تعيين معيدين في تخصص دراسات العهد القديم في فبراير 2014 غير أن القائمين على القسم لم يعينوا سوى معيدًا واحدًا في عام 2023، وهذا يعني عدم معرفتهم أهمية دراسات العهد القديم وما يرتبط بها من ديانة وفرق يهودية أو محاولة تجفيف منابع التخصص.”

المقاطع السابقة من كتاب “مقالات الإسلاميين في التوراة من الجدل إلى البحث العلمي” د. أحمد هويدي، الباب الثالث ص (226-238).

هنــاك اتفــاق بــن اليهــود والمســيحيين والمسلمين بــأن التــوراة في صورتهــا الحاليــة قــد ابتعـدت عـن الصـورة التـي كانـت عليهـا زمـن النبـي مـوسي، حيـث وردت أولي الإشـارات التـي توضـح بـأن التـوراة قـد ابتعـدت عـن مسـارها الصحيـح في سـفر النبـي إرميـا حيـث اتهـم الكتبـة بالكـذب وتحريـف النـص. ً وحيـث إن التحريـف حـدث مبكـرا، فقـد شـغل ذلـك علـماء الديـن والفلاسـفة والمؤرخيـن والأدبـاء والباحثيـن عـلى مـر العصـور لمعرفـة أنـواع التحريـف واكتشـافها، وذلـك في محاولـة منهم للوصول إلى ما يمكن عده نصا أصليا ًّيتبــع هــذا الكتــاب المنهــج التاريخــي الوصفـي في رصـد تاريـخ نشـأة بحـث التـوراة وتطـوره لـدى العلمـاء المسلمين بـدءا من مرحلـة الجـدل وصـولا إلى البحـث العلمـي الأكاديمي المعاصر. اختــار المؤلــف أربعــة مــن كتــب التفاسيــر لدراســة كيفيــة فهــم المفسرين المسلمين لمصطلحـات قرآنيـة وردت عنـد ذكـره للتـوراة مثـل التحريـف والتبديـل وللأساليب التـي اتبعـت في هـذا وهـي أيضًـا ذكرهـا القـرآن مثـل النسـيان والوضـع والكـذب وَلي الألسنة. ينتقـل بعدهـا للنقـد العلمـي الـذي وجهـه أصوليـون مسـلمون للتـوراة، ويـدرس نموذجـين علـى هـذا، هـما ابـن حـزم ورحمـت اللـه الهنـدي، مـن حيـث البيئـة الثقافيـة التـي عـاش فيهــا كل منهـمـا ودوافعهـمـا للجــدل العلمــي والمناظــرة، ثــم يعــرض لقضيــة هامــة وهــي مصادرهـا في النقـد، ومـدى اقـتراب نظريـة النقـد النـصي الغربيـة الحديثـة منهمـا. في النهايــة يعــرض المؤلــف لجهــود المدرســة الأكاديميـة المصرية الحديثــة في الأبحــاث المتعلقـة بالعهـد القديـم مـن حيـث تأسـيس أقسـام خصيصـة لهـا في الجامعـات المصرية، ويســتعرض جهــود وإنجــازات الباحثـيـن في هــذه المدرســة.