مرحبا بكم في موقع مكتبة الكويت ( المكتبة هي معبد المعرفة ومنارة الفكر بين رفوعها تتقاطع الافكار وتتلاقي العصور ) الحجز والاقتراحات واتساب 50300046 الشحن الي جميع المناطق ...

أم القرى

  1. الرئيسية
  2. /
  3. تفاصيل الكتاب
Single Book

أم القرى متوفر

التصنيف : تاريخ - اسلاميات

دار النشر : التقوى

عبدالرحمن الكواكبي‎

أول كتاب وضعه الكواكبي كما تقدم في التمهيد السابق، فهو باكورة أعماله القلمية وفاتحة اشتغاله بالتأليف.

أما من ناحية التفكير والتحضير فلا يُحسب الكتاب من أعمال البواكير؛ لأنه نتيجة ناضجة لدراسة طويلة وصل منها إلى نهاية الرأي في أحوال العالم الإسلامي وأسباب ضعفه وبواعث الأمل في صلاحه وتقدمه، فهو محصول حياة فكرية وقفها على هذه الدراسة في جوهرها، ولم تكن دراساته الأخرى إلا شعابًا متفرعة عليها.

و«جمعية أم القرى» اسم أطلقه المؤلف على مؤتمر عام تخيَّل انعقاده في مكة المكرمة، وجمع فيه مندوبين ينوبون عن أمم العالم الإسلامي في المشرق والمغرب، يمثلون الهند والصين والأفغان والعراق والحجاز والشام ونجد واليمن ومصر وتونس ومراكش وغيرها من الأقاليم المشتركة بين هذه الأقطار، وألقى على لسان كل منهم خطابًا يشرح حالة المسلمين كما اختبرها من شئون بلده ومما يعلمه عن شئون سائر البلدان الإسلامية، واجتهد في إتقان صورة المؤتمر السري بما له من المحاضر المسجلة والرموز المصطلح عليها وعلامات الأرقام التي يتفاهم عليها الأعضاء؛ لأنه أراد أن يتمم الصورة شكلًا على ما يظهر، أو أراد أن يوقع في روع القارئ ما يبعث عنده الثقة باجتماع العزم على العمل وقيام المؤتمرين على تنفيذه، إلا أن الثابت من رواية أصدقائه وآله أنه ألَّف الكتاب قبل رحلته إلى مصر وإلى الحجاز، وتحدث هو عن هذا الكتاب إلى صديقه السيد محمد رشيد طه — صاحب المنار — فلم يزد على أن قال: إن للجمعية أصلًا، وتوسع في سجله، وعاوده غير مرة بالتنقيح والحذف والزيادة.

وفي وسعنا أن نفهم هذا «الأصل» على سبيل الظن من تصفُّح ألقاب المندوبين في الكتاب، فلا بد أن يكون المؤلف قد التقى في بلده بأناس من فضلاء المسلمين الذين يترددون عليه في طريق الحج فذاكرهم في مسائل الدين ومصالح المسلمين، وسمع منهم وأسمعهم ما عنده من الآراء والمعلومات في هذه الشئون. ولا حاجة إلى التوسع في قراءة السجلات للتيقن من هذه الحقيقة البديهية، فإن لمحة عابرة إلى الألقاب التي اختارها للمندوبين تشعر القارئ بمعرفة حسنة للأمم التي نسبهم إليها، يجوز أن تُعرف بالسماع والاطلاع، ولكن لا يجوز أن تكون كلها سماعًا واطلاعًا مع إمكان المقابلة في حلب بينه وبين الوافدين إليها من عامة الأقطار الإسلامية لمختلف المقاصد والوجهات، ومع عناية المؤلف باستيعاب الأخبار والآراء في موضوع كتابه وقوله لصديقه: إن لها أصلًا توسع فيه.

انظر مثلًا إلى ألقاب الأستاذ المكي والصاحب الهندي والفاضل الشامي والمولى الرومي والمجتهد التبريزي والرياضي الكردي والعالم النجدي والمحدث اليمني والعلامة المصري والخطيب القازاني، وسائر الألقاب وعناوين الخطاب التي تخللت المساجلات والخطب على ألسنة هؤلاء الأعضاء.

إن هذه الألقاب لم توضع جزافًا، ولم يتميز بعضها من بعض لأسباب تتعلق بأفراد المندوبين، ولا ينظر فيها إلى خصائص شعوبهم أو إلى السمات العامة التي تبرزهم بين جملة المسلمين، فإذا جاوزنا الألقاب إلى السجلات وما وعته من الآراء والأوصاف والوقائع ومناحي التفكير وضح لنا أن المؤلف قد صدر فيها عن علم واسع بأحوال الشعوب الإسلامية وأحوال السادة المتخصصين فيها للإمامة العلمية والفتوى الدينية، ويجوز — كما أسلفنا — أن يجتمع هذا العلم للمؤلف بالاطلاع والسماع على الألسنة، ولكن البعيد عن الظن الذي لا يجوز في حكم العرف والعادة أن يصل إلى حلب قصادها والعابرون بها من أرجاء العالم الإسلامي، ولا يتفق بينهم وبين الكواكبي لقاء مقصود أو غير مقصود، يتطرق فيه الكلام إلى حديث كحديث أم القرى كما سجَّلته محاضر الكتاب.

وغير بعيد أن يكون «الكواكبي» قد سمع بعض هذه الآراء واطلع على بعضها، ووصل إليها وإلى غيرها بإطالة التأمل وإمعان النظر وتقليب المسائل على شتى الوجوه، غير أن هذه الآراء لا تحتوي الكتاب ولا تغني عنه؛ فإن الكواكبي لم يعرضها عرض الحكاية ولا عرض النقل والرواية؛ بل كان عمله فيها عمل «الغربلة» والتحليل والنيابة عن المناقشة والموازنة والأخذ والرد الذي لا يتأتى في غير المجتمعات المشهودة.

فكل سبب من أسباب الأعضاء المتفرقين يعللون به ضعف المسلمين ينتهي إلى أن يكون سببًا من ناحية ونتيجة من ناحية أخرى، وكل عَرَض من أعراض الجمود يجري به الدور والتسلسل على هذه الوتيرة، إلى أن تنتهي كلها إلى سبب الأسباب في عقيدة الكواكبي كما نفهمها في ديدنه وهِجِّيراه في التفكير، وليس هناك سبب لجميع الأسباب غير الحكومة السيئة أو غير الاستبداد.

فلماذا يضعف المسلمون؟

يضعفون لأنهم أهملوا آداب الدين التي نهضوا بها في صدر الإسلام.

ولماذا أهملوا آداب الدين؟

لأنهم جهلوا لبابه وأخذوا منه بالقشور.

ولماذا جهلوها؟

لأنهم فقدوا الهمة وقنعوا بالضعة، واستكانوا إلى الخور والتسليم.

ولك أن تتابع حلقات السلسلة عكسًا كما تابعتها طردًا، فتقول: إنهم فقدوا الهمة لأنهم جهلوا، وإنهم جهلوا لأنهم أهملوا آداب الدين، وإنهم أهملوا آداب الدين لأنهم ضعفوا.

فكل علة من هذه العلل هي مقدمة من جهة ونتيجة من الجهة الأخرى، إلا الحكومة السيئة في تعليل الكواكبي، فإنها تبطل الدور والتسلسل؛ لأنها ملتقى الأسباب والنتائج في كل عَرَض من الأعراض، فالاستبداد جهل وضعف وإهمال وآفات تعرض للرعاة، ثم تعرض منهم للرعية، فتجري دواليك في حلقة مفرغة لا تنتهي أبدًا مع بقاء الاستبداد؛ ومن ثم يصح أن يقال: إن الفكرة في أم القرى هي الفكرة في طبائع الاستبداد، وإن طبائع الاستبداد لا يحتوي شيئًا لا يكتبه مَن كتب أم القرى قبل التنقيح أو بعد التنقيح.

ويقول الدكتور سامي الدهان في ترجمته للكواكبي في سلسلة «نوابغ الفكر العربي»: إن كتاب أم القرى «صدر في حياته منقحًا بقلم السيد رشيد رضا أو بقلم الشيخ محمد عبده كما قال الأب شيخو». ويشير الدكتور سامي الدهان بهذا إلى قول الأب شيخو في تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين عند كلامه عن أم القرى: إنه «نظر فيه الشيخ محمد عبده».

ثم يعقب الدكتور الدهان قائلًا: «وكل الذي نستطيع أن نقول في أسلوب كتابته: إنه قريب من أسلوب هذين الرجلين، وهو أسلوب الفحول لذلك العصر.»

ولا نرى ما يراه الدكتور الدهان من التشابه بين أسلوب الكواكبي وأسلوب الأستاذ الإمام أو تلميذه السيد رشيد؛ فإن في الكتاب من مآخذ النحو والصرف والتركيب ما يتحرج منه السيد رشيد غاية التحرج، ولا يسكت عن نقده إذا عرض عليه، كما صنع مرارًا في تعقيبه على الرسائل والمصنفات التي يقرؤها لأصدقائه وزملائه، والأستاذ الإمام يكتب بقلمه على نهج غير نهج السيد رشيد، كما يظهر من أسلوبه في «رسالة التوحيد»، وفي «الإسلام والنصرانية»، وفي المقالات الأدبية، ويقع الالتباس أحيانًا بين أسلوب الإمام وأسلوب تلميذه؛ لأن قراء المنار كانوا يحسبون أن تفسير القرآن الذي كان يُنشر فيه مكتوب بقلم الشيخ محمد عبده، وهو في الحقيقة ملخص أو مقتبس من دروسه في الرواق العباسي بقلم صاحب المنار؛ ومن هنا يظن أن الأسلوبين على شبه قريب، وهما مختلفان مع اتفاقهما في التحرز من المآخذ اللغوية واجتناب الصيغ المولدة والصيغ التركية.

3.00 دك

كتب متاحة