مرحبا بكم في موقع مكتبة الكويت ( المكتبة هي معبد المعرفة ومنارة الفكر بين رفوعها تتقاطع الافكار وتتلاقي العصور ) الحجز والاقتراحات واتساب 50300046 الشحن الي جميع المناطق ...
المتوارين الذين اختفوا خوفا من الحجاج بن يوسف متوفر
التصنيف : تاريخ
دار النشر : دار القلم
عبد الغني بن سعيد الأزدي
مقدمة المحقق مشهور حسن محمود سلمان: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. أما بعد:
فقد ذكر ابن خلكان وتبعه ابن العماد الحنبلي: أنه كانت بين المصنف وبين أبي أسامة جنادة اللغوي وأبي علي المقرئ الأنطاكي مودة أكيدة، واجتماع في دار الكتب ومذاكرات، فلما قتلهما الحاكم صاحب مصر، استتر بسبب ذلك الحافظ عبد الغني خوفا أن يلحق بهما، لاتهامه بمعاشرتهما، وأقام مستخفيا مدة، حتى حصل له الامن، فظهر، والظاهر أنه دارهم بعد ذلك. فكأن المصنف اعتذر من اختفائه وتواريه، فكتب كتابه الممتع هذا، فذكر بسنده العلماء الذين اختفوا من الحجاج بن يوسف.
وفي اختفاء العلماء وتواريهم معان وعبر، جديرة بالتأمل طويلا، وبالبحث والاستقصاء، فإنهم على الرغم من قولهم: لو أن لنا دعوة مستجابة، ما صيرناها إلا في الامام إلا أنهم عند خروج الحكام عن الجادة، كانوا يعظون ويذكرون، وكان شعارهم: “من مجلس على وسادة الأمير. فقد وجبت عليه النصيحة لله ولرسوله والجماعة المسلمين فكان صلاح العباد والبلاد بالعلماء والامراء، كما روي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم: صنفان من أمتي إذا صلحا، صلح الناس: الأمراء والفقهاء. وكان عمر – رضي الله عنه – يقول: اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير، ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم. وكان القاسم بن مخيمرة يقول: إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم، صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم فسد زمانكم. ذلك لان مفسدة العلماء والامراء، بلاء عظيم، وشر مستطير، بل هو علة السقم، وغصة الطعم.
ولم يقتصر العلماء على الموعظة والذكرى، بل كان بعضهم يأخذ بالعزيمة، والشدة، فكان ينكر ويجاهر بإنكاره، بل وصل الامر ببعضهم إلى القيام بحركات تغييرية انقلابية، مما أدى الامر إلى تواري بعضهم واختفائه، خوفا على النفس تارة، ومحاولة للوصول إلى هدف ما تارة أخرى.
ولم يقتصر الاختفاء والتواري على عصر الحجاج، وإن كثرت هذه الظاهرة فيه، مما جعل المصنف يجمعهم في هذه الرسالة، فحصل توار من قبل غير واحد في عصر أبي جعفر المنصور، من مثل: تواري إبراهيم بن عبد الله بن حسن منه، وتواري معن بن زائدة منه، وتواري أبي محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان منه. وكذلك حصل توار في عصر الواثق، من مثل: تواري الامامين العظيمين أحمد بن حنبل وأحمد بن نصر الخزاعي منه.
والحاصل… أن للعلماء مواقف مشهودة مع الامراء، وفي هذه الصور، أخي القاري – التي بين يديك، دليل على ما نقول، فعسى أن تنتفع بها، وينفع الله بك، وما ذلك على الله بعزيز.
واعلم أن مثلك ومثل الامام، كمثل عين عظيمة صافية، طيبة الماء، يجري منها إلى نهر عظيم، فيخوض الناس إلى النهر، فيكدرونه، ويعود عليهم صفو العين، فإذا كان الكدر من قبل العين، فسد النهر. أو كمثل فسطاط لا يستقيم إلا بعمود. ولا يقوم العمود إلا بأوتاد، فكلما نزع وتدا، ازداد العمود وهنا. ولا يصلح الناس إلا الامام، ولا يصلح الامام إلا بالناس. وأخيرا… الله تعالى أسال، وبأسمائه وصفاته أتوسل، أن يستخدمنا لدينه، فنعمل على نصرة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، جادين شادين مشمرين مخلصين، متجردين عن الأهواء، بعيدين عن الأدواء، متوكلين على رب الأرض والسماء، وأن يعصمنا في الأقوال والافعال، من تزيين الشيطان لنا سوء الأعمال، وأن يعيذنا من اتباع الهوى، وركوب ما لا يرتضى.